جدة: انطلاق أعمال الاجتماع الأول للشبكة الإقليمية لاسترداد الأصول لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

انطلقت اليوم الأربعاء في مدينة جدة أعمال الاجتماع العام السنوي الأول للشبكة الإقليمية لاسترداد الأصول لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مينا – أرين)، الذي تستضيفه المملكة العربية السعودية ممثلة في هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة).

وفي مستهل الجلسة الافتتاحية للاجتماع، أكد معالي رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد(نزاهة) مازن بن إبراهيم الكهموس أنَّ الاجتماع يمثل الانطلاقة الرسمية لأعمال هذه الشبكة الواعدة، مؤكداً أنَّ الاجتماع يعكس التزامنا المشترك بتعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة الجرائم المالية.

وأضاف معاليه: يسعدني أنْ نلتقي في هذه المناسبة بمشاركة رفيعة المستوى من الدول الأعضاء، ومن المنظمات والشبكات الدولية والإقليمية، وفي مقدمتها شبكة كارين والشبكات النظيرة، ممَّا يضفي قيمة نوعية على هذا اللقاء ويؤكد أهمية تكامل الجهود في التصدي للتحديات المشتركة.

وشدَّد على أنَّ المملكة العربية السعودية، وبتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان تواصل التزامها الراسخ بتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 التي جعلت من مكافحة الفساد واسترداد الأصول إحدى أولوياتها الوطنية، لافتاً إلى أنَّ استضافة المملكة للأمانة العامة الدائمة للشبكة إنما هو تجديد لتأكيد التزامها بدعم الدول الأعضاء وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي في هذا المجال.

وأوضح أنَّ هذا الاجتماع يأتي استناداً إلى قرار الاجتماع العام التاسع والثلاثين لمجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مينا فاتف) المنعقد في نوفمبر 2024 بمدينة الرياض، والذي رحَّب بإنشاء الشبكة وبارك استضافة المملكة لأمانتها العامة الدائمة وتنظيمها لهذا الاجتماع التأسيسي.

وأشار إلى أنَّ الاجتماع يسلِّط الضوء على مسؤولياتنا المشتركة في التصدي للتحديات المرتبطة بالأصول غير المشروعة الناتجة عن جرائم الفساد وغسل الأموال والجريمة المنظمة، وهي تحديات تهدد الأمن والاستقرار الاقتصادي.

وشدَّد على أنَّ مواجهة هذه التحديات تتطلَّب تعاوناً وثيقاً وتبادلاً فعَّالاً للخبرات، مبيناً أنَّ تأسيس شبكة “مينا-أرين” جاء استجابة عملية لهذا التوجه المشترك بدعم الدول الأعضاء في “مينا فاتف” على إنشائها كخطوة رائدة على المستوى الإقليمي.

وأكد أن إطلاق شبكة “مينا أرين” اليوم ليس مجرد بداية تنظيمية، بل خطوة عملية نحو بناء منظومة إقليمية فعَّالة لاسترداد الأصول، معربا عن تطلعه إلى أن تكون هذه الشبكة منصة رائدة تحدث أثرا ملموسا في منطقتنا، وتعزز قدرات دولنا في استرداد الأصول وحماية نزاهة أنظمتها الاقتصادية.

من جانبها، ثمَّنت معالي المديرة التنفيذية لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، المدير العام لمكتب الأمم المتحدة في فيينا، غادة والي، الدور الريادي الذي تضطلع به السعودية وهيئة نزاهة في مجال مكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية على المستويين الإقليمي والدولي، حيث تعد السعودية، ممثلة في هيئة نزاهة، شريكاً استراتيجياً لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في هذا المجال.

وشدَّدت على أنَّ استرداد الأصول يعدُّ ضمن الركائز الأساسية لجهود مكافحة الجريمة والفساد، إذْ إنه لا يمكن وقف الأنشطة الإجرامية والفاسدة دون التصدي للدافع الرئيسي وراءها والمتمثل في العائدات والأرباح المادية، لافتة إلى أنَّ استرداد الأصول هو أيضاً أمر ضروري لترسيخ مبادئ المساءلة وسيادة القانون وبناء ثقة المجتمعات في المؤسسات إلى جانب أهمية استعادة الموارد المنهوبة لاستخدامها في تمويل التنمية المستدامة وخدمة الصالح العام.

وأكدت أنَّ الحالات الناجحة لاسترداد الأصول لا تزال نادرة حتى في القضايا التي يتم فيها ملاحقة ومعاقبة مرتكبي الجرائم، مشيرة إلى أنه لا توجد صورة مكتملة توضح حجم الأصول المنهوبة في المنطقة وحول العالم إلا أنَّ التقديرات المتاحة تشير إلى وجود أموال وأصول منهوبة تبلغ قيمتها عشرات المليارات من الدولارات.

وكشفت في هذا الصدد أنَّ لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا قدَّرت في تقرير عام 2022 أنَّ المنطقة العربية تخسر حوالي 60 مليار دولار سنويا بسبب التدفقات المالية غير المشروعة، في حين تشير تقديرات مركز الأمم المتحدة للتجارة والتنمية إلى أنَّ القارة الإفريقية تخسر حوالي 88 مليار دولار سنوياً بسبب التدفقات المالية غير مشروعة، وفي المجمل يقدر صندوق النقد الدولي أنَّ هناك ما بين 800 مليار إلى 2 تريليون دولار يتم غسلها سنوياً على المستوى الدولي.

وشدَّدت على أنَّ الأرقام الخاصة باسترداد الأصول لا تقارن بقيمة ما يتم نحوها، حيث تقدر مجموعة العمل المالي (فاتف) أنَّ الدول تعترض وتستعيد أقل من 1% من التدفقات المالية غير المشروعة عالمياً.

وأكدت أنَّ هذا التحدي يزداد إلحاحاً في الوقت الراهن حيث إننا نشهد توسعاً في النشاط الإجرامي والفاسد والأرباح التي تنتج عنهما، استغلالاً لحالة عدم الاستقرار العالمي، وبالتزامن مع السرعة غير المسبوقة للتطور التكنولوجي الذي منح أدوات جديدة لإخفاء التعاملات والأرباح غير المشروعة.

وأوضحت أنَّ استرداد الأصول يتطلب تعاوناً دولياً مكثفاً قائماً على الثقة المتبادلة إلى جانب بناء القدرات الفنية التي تمكن الخبراء من التعامل مع التعقيدات ذات الصلة بالجرائم الاقتصادية العابرة للحدود، ومن هنا تبرز أهمية هذه الشبكة الإقليمية الجديدة التي تشكل نقطة محورية جديدة ضمن منظومة التعاون الدولي في مجال استرداد الأصول حيث أنها الشبكة الإقليمية التاسعة من نوعها على مستوى العالم.

وأعربت عن تطلعها إلى أن تأخذ الشبكة مكانتها ضمن الإطار الأوسع للتعاون الدولي في مجال استرداد الأصول ومكافحة الفساد وتعزيز قدرة الشبكة وأمانتها ونقاط الاتصال التابعة لها على العمل ضمن هذا الإطار والاستفادة منه.

وأكدت على أنَّ مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة يقف على أتم الاستعداد لتقديم الدعم لشبكة “مينا أرين” من أجل تحقيق التناغم والتكامل مع الأطر الدولية لمكافحة الفساد والجرائم الاقتصادية.

بدورها، قالت ممثلة أمانة شبكة كامدن المشتركة بين الوكالات لاسترداد الأصول (كارين) السيدة أندريا تيرليا أن الاجتماع يضع الأساس لشبكة قوية ومؤثرة ومستدامة، منوهة بالمستوى الرفيع للمشاركة في الاجتماع.

واعتبرت أن هذه اللحظة تُعد محطة فخر وإنجاز مهمة لمجتمع استرداد الأصول العالمي، مؤكدةً أن ميلاد الشبكة الإقليمية الجديدة يُجسّد الزخم المتنامي والتعاون المتزايد في مواجهة التدفقات المالية غير المشروعة.

وأشادت تيرليا بجهود هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة) التي عملت بجدٍ لجعل هذه الرؤية واقعاً ملموساً من خلال تنظيم احترافي متميز، مؤكدةً أنَّ تأسيس شبكة “مينا – أرين” ليس مجرد إنجاز إداري، بل وعدٌ بالتشارك والتعاون وتحقيق النتائج.

وشددت في كلمتها على أهمية الممارسين في مجال استرداد الأصول، لافتة إلى أنَّ الممارسين هم نقاط الاتصال الذين يردُّون على الاتصالات، ويعملون عبر مناطق صلاحيات معقدة، ويبنون جسور التواصل عبر الحدود، مؤكدة أنَّ هؤلاء الممارسين في حاجة إلى دعم صانعي القرار وثقتهم وتمكينهم، وإلا فإنَّ عمل أكثر الممارسين مهارة قد لا يحقق النتائج المرجوة.

من جانبها، قالت رئيس مجموعة العمل المالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مينا فاتف) سامية أبو شريف إن المجموعة عملت على تركيز جهودها لدعم تأسيس هذه الشبكة لتلعب دوراً فاعلاً في تسهيل التعاون غير الرسمي بخصوص تحديد الأصول وتتبعها وحجزها ومصادرتها على المستوى الدولي بغية الالتزام الكامل بالمعايير الدولية بصيغتها المحدثة بخصوص استرداد الأصول واستعداداً لإطلاق الجولة الثالثة لعملية التقييم المتبادل لدول المنطقة.

وأعربت عن شكرها لهيئة نزاهة على مبادرتها بإطلاق الشبكة واستضافة اجتماعها الأول، مؤكدةً أن تأسيسها يعزز بيئة تعاونية متماسكة للحد من الأنشطة المالية غير المشروعة، ومثمنةً جهود المملكة العربية السعودية ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة وجميع القائمين على إنجاح هذا المشروع الإقليمي الرائد.

وأكدت أنَّ أهداف الشبكة في تبادل المعلومات، وخصوصاً الموضوعات ذات الصلة بتحديد وتتبُّع واسترداد الأصول وتعزيز قدرات المختصين وتعزيز الثقة بين الجهات المختصة بهذا الشأن، وتبادل التجارب والخبرات وأفضل الممارسات تعكس العمل التشاركي في إدارة الشبكة الإقليمية ودعم مجموعة “مينا فاتف” في مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل انتشار التسلح.

وأشارت إلى أهمية أنْ تكون لدى دول المجموعة جهات بالصلاحيات والموارد اللازمة للتعاون مع الدول الأعضاء وفق ما تقضي به الاتفاقيات الدولية ومعايير مجموعة العمل المالي والممارسات الدولية الفضلى.

وأوضحت أنَّ مجموعة “مينا فاتف” ستقوم بدعم تنظيم برامج تدريبية وتوفيرها حيثما أمكن من خلال التركيز على جوانب استرداد الأصول كافة، وضمان تجهيز كوادر الدول الأعضاء بأحدث المعارف والمهارات.

وعقب الجلسة الافتتاحية، استعرض ممثلو الدول والمنظمات المشاركة إسهاماتهم في استرداد الأصول، مؤكدين دعمهم لشبكة “مينا-أرين” في هذا المجال.

وتتواصل الخميس أعمال الاجتماع من خلال عدد من الجلسات الحوارية لمناقشة التعاون الإقليمي في مجال استرداد الأصول وصياغة التوجه الاستراتيجي للشبكة.