الذكاء الاصطناعي يهزّ سوق العمل في 2025.. أين تتقلّص الوظائف وأين تنمو؟

 

عام 2025 لم يكن عاماً عادياً لسوق العمل، فمع تسارع تبنّي الذكاء الاصطناعي التوليدي، انتقلت الشركات من مرحلة التجارب المحدودة إلى إعادة أسلاك عملياتها الداخلية بحثاً عن إنتاجية وتكاليف أقل.
لكن المكاسب ليست متساوية عبر كل الإدارات: تقرير “حالة الذكاء الاصطناعي 2025” من ماكينزي McKinsey & Company يقدّم أكثر اللوحات وضوحاً، وأحياناً صدمة، حول أين تتقلّص أعداد الموظفين وأين ترتفع، بينما تُظهِر تقارير المنتدى الاقتصادي الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومنظمة العمل الدولية الصورة الأشمل عالمياً حتى 2030.
ما الذي تغيّر داخل الشركات فعلاً في 2025؟
تكشف ماكينزي أنّ 78% من الشركات تستخدم الذكاء الاصطناعي (تحليلياً وتوليدياً) في وظيفة واحدة على الأقل، و71% منها تُدرِج الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل منتظم في أحد أقسامها، الأهم، أنّ 21% من الشركات التي تتبنّى الذكاء التوليدي قالت إنها أعادت تصميم بعض مسارات العمل جذرياً، وهذه الخطوة هي الأكثر ارتباطاً بتحقيق أثر إيجابي في الأرباح التشغيلية، ومع ذلك، يعترف أكثر من 80% من المديرين بأن الأثر على أرباح الشركة على مستوى المؤسسة ككل لم يصبح مادياً بعد.
مَن يقود التحوّل؟
ترى ماكينزي أنّ إشراف الرئيس التنفيذي مباشرة على حوكمة الذكاء الاصطناعي يرتبط بأثر ربحي أعلى؛ 28% من الشركات المستخدِمة للذكاء الاصطناعي تُسند الحوكمة للرئيس التنفيذي، و17% لمجالس الإدارات، كما تتسارع جهود إنشاء هياكل مركزية لإدارة المخاطر والبيانات، بينما تبقى مواهب التقنية موزّعة بنُظم هجينة.
أين تتقلّص الوظائف وأين تنمو؟
على المدى القصير، لا تتوقع معظم الشركات خفضاً واسعاً في إجمالي القوى العاملة، لكن الصورة تختلف بحسب الإدارة: فتوجد وظائف مرشَّحة للتقلّص مثل: عمليات الخدمة (خدمة العملاء ومراكز الاتصال) وإدارة سلاسل الإمداد والمخزون، حيث يتوقّع المديرون انخفاضاً في عدد الموظفين مع دخول المساعدين التوليديين وتقنيات التنبؤ والجدولة.
كما توجد وظائف مرشَّحة للنمو: الهندسة البرمجية وتطوير المنتجات/ الخدمات، مع صعود أدوار جديدة في هندسة الموجهات، وإدارة النماذج، وهندسة البيانات، وأمن الذكاء الاصطناعي.
تصور 2030
يقدّر المنتدى الاقتصادي العالمي أنّ اضطراب الوظائف سيعادل 22% من إجمالي الوظائف بحلول 2030، مع خلق 170 مليون وظيفة وإزاحة 92 مليوناً، أي صافي بأكثر من 78 مليون وظيفة عالمياً، إن حصلت الاقتصادات على التدريب والمهارات في الوقت المناسب، هذا السيناريو الإيجابي مشروط بسرعة إعادة التأهيل وبناء المهارات الرقمية.
وبينما تؤكّد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) أنّ معدلات التشغيل تبقى تاريخياً مرتفعة في 2025، فهي ترصد علامات فتور وتراجع في “شدّة” أسواق العمل، ما يزيد الحاجة لسياسات مهارات نشطة لتلافي اتساع فجوات التوظيف أثناء التحوّل التقني.
هل نحن أمام موجة استبدال أم إعادة تشكيل الوظائف؟
تُحدِّث منظمة العمل الدولية (ILO) تقديراتها لعام 2025، مشيرة إلى أن نحو وظيفة من كل أربع عالمياً معرّضة بدرجة ما لتقنيات الذكاء التوليدي، لكن 3.3% فقط تقع في فئة “التعرّض المرتفع جداً” حيث يمكن أتمتة معظم المهام دون تدخل بشري. فالتحوّل يغلب الاستبدال، أي إعادة توزيع المهام داخل الوظيفة الواحدة بدل إزالتها بالكامل.
لماذا لا نرى قفزة أرباح فورية؟
توضح ماكينزي مفارقة العام: الانتشار واسع، لكن الأثر الربحي المؤسسي محدود حتى الآن، وأرجعت ذلك لأسباب ثلاثة: أن الكثير من الشركات لم تُتمم إعادة تصميم المسارات؛ مقاييس الأداء (KPIs) للذكاء التوليدي لا تزال غائبة لدى أغلبية الشركات؛ وحوكمة المخاطر (الدقة، والخصوصية، والتحيّز) تُفرمل التوسّع دون أدوات رقابة ناضجة، حين وُجِدت خريطة طريق واضحة وتتبع دقيق للمؤشرات، زاد ارتباط ذلك بتحسين الأرباح.
وظائف الخط الأول التي تتبدّل بسرعة
التحرير الذكي في مراكز الاتصال، والوكلاء التوليديون في الدعم، وأدوات التنبؤ في المخازن واللوجستيات، بدأت تقلّل الحاجة إلى طوابير بشرية كبيرة في هذه الإدارات، وهو ما ترصده مواد وتحقيقات أعمال حديثة أيضاً في أقسام الموارد البشرية التي تشهد أتمتة واسعة في الاستقطاب والتدريب وخدمة الموظفين، ومع ذلك، تبقى المهام الحسّاسة، القرارات، والثقافة، والرعاية، وبحاجة لبشر.
سباق المهارات.. ماذا يريد السوق الآن؟
بيانات لينكد إن لعام 2025 تُظهر انتقالاً سريعاً في المهارات المطلوبة نحو الذكاء الاصطناعي، وتحليلات البيانات، والحوسبة السحابية، وإدارة الأمن، مع توسّع اعتماد الشركات على أدوات الذكاء التوليدي في العمل اليومي، هذا التحوّل لا يقتصر على شركات التقنية، بل يمتد للمالية، والرعاية الصحية، والإعلام.
ماذا تعني هذه التحوّلات لبلدان الشرق الأوسط ومصر؟
رغم غياب أرقام محلية شاملة بنفس كثافة تقارير ماكينزي والمنتدى الاقتصادي، فإن الاتجاهات العالمية، إعادة تصميم المسارات في الخدمة واللوجستيات مقابل نموّ الهندسة/ المنتج، تنطبق بدرجات متباينة حسب مستوى الرقمنة وتوفر المواهب وسياسات البيانات، الرسائل العملية لصانعي السياسات: تسريع التعليم التقني، حوافز لإعادة التأهيل، ومعايير حوكمة لخفض المخاطر ورفع الثقة في الاستخدام المؤسسي.
كيف تستعد الشركات؟
أعد تصميم العمل قبل شراء الأدوات، وابدأ بمسارات خدمة العملاء وسلسلة الإمداد حيث العائد سريع، مع تحديد عمليات تُستبدل وأخرى تُعزَّز بالبشر.
واربط الذكاء الاصطناعي بمؤشرات أداء واضحة: تتبّع التبنّي والعائد (وفورات الوقت، خفض التكاليف، جودة المخرجات)، الشركات التي فعلت ذلك حققت أثراً أعلى في الأرباح.
واجعل الحوكمة بقيادة الإدارة العليا: تكليف الرئيس التنفيذي أو المجلس بهيكل حوكمة يقلّل المخاطر ويُسرّع العائد.
واستثمر في الأدوار الجديدة: هندسة الموجهات، وإدارة النماذج، وأمن الذكاء الاصطناعي، وهندسة البيانات، وهي محركات نمو التوظيف التقني في 2025.
إعادة تأهيل شاملة: استفد من برامج الشركات المنصات (لينكد إن) لبناء مهارات الذكاء الاصطناعي والتحليل.
وفي النهاية، رسالة 2025 واضحة: الذكاء الاصطناعي يغيّر شكل العمل أكثر مما يلغيه، ماكينزي تُظهر إعادة هيكلة شاملة لطرق العمل داخل الشركات، انتشار مرتفع، وتصميم مسارات جديد، وحوكمة تُدار من القمة، لكن العائد الربحي الشامل يحتاج إلى وقت وانضباط في تنفيذ.
في الأفق حتى 2030، يتوقّع المنتدى الاقتصادي العالمي صافي وظائف إيجابي كبير، +78 مليون وظيفة، لكن النافذة تضيق أمام من يتأخر عن التدريب وإعادة التأهيل، السباق الحقيقي ليس بين البشر والآلات، بل بين مؤسسات تُحسن توظيف الذكاء الاصطناعي ومؤسسات تتأخر خطوة فتدفع الثمن في الكفاءة والقدرة التنافسية.