بايدن.. العجوز الخرِف الذي يقود الولايات المتحدة للمستنقع ويدفع “إسرائيل” للهزيمة

منذ أن كان الرئيس الأمريكي جو بايدن نائبا للرئيس الأسبق باراك أوباما، خلال سنوات حكمه الثمانية، وهو يظهر الخلاف مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي عاصر حكم أوباما وعاد ليطل برأسه من جديد خلال المأمورية الجارية لبايدن.

استطاع نتنياهو العودة إلى واجهة الحكم عبر تحالف من الأحزاب الدينية المتطرفة، بعد أن وضع المستوطنون كامل ثقلهم لترجيح كفة الائتلاف الذي قاده حزب الليكود، رغم الفضائح والملاحقات القضائية التي تطارد نتنياهو.

إن عودة بنيامين نتنياهو مجددا لقيادة الحكومة الاسرائيلية لم تكن محل ترحيب معلن من الرئيس الأمريكي، الديمقراطي جو بايدن.

ولم تقنع 11 شهرا من عمر حكومة تل أبيب الجديدة الرئيس بايدن بتغيير موقفه السلبي من نتنياهو، وظل الفتور السمة المميزة لعلاقة الرجلين اللذين يقودان بلدين حليفين إلى أبعد الحدود.

قضايا عديدة في ملف القضية الفلسطينية أصر نتنياهو، طيلة مراحل ترؤسه للوزراء، على تجاهل رؤية القادة الديمقراطيين في واشنطن لحلها ضمن ما يعرف بمسار السلام، وعلى رأسها حل الدولتين وتجميد الاستيطان وتعزيز دور السلطة الفلسطينية في رام الله، وهو ما دفع ببايدن للمضي قدما في استدارة وجهه عن نتنياهو، كما فعل سابقا حينما كان نائبا للرئيس.

غير أن الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، الملتئمة خلال الأسابيع الأخيرة، جمعت الرجلين في نيويورك، فكانت أول فرصة للقائهما كزعيمين لبلديهما حيث صرح الرئيس بايدن أنهما سيناقشان “قضايا صعبة” بما فيها “القيم الديموقراطية” و”التوازن بين السلطات” و”حل الدولتين”، لكن الاجتماع انتهى دون تصريح بما تم نقاشه، وهو ما يشي بعدم إذابة الجليد الذي طبع علاقتهما خلال العقدين الأخيرين.

بايدن يتراجع

ما إن قامت كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكري لحركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، وفصائل المقاومة في غزة، بإطلاق عملية “طوفان الأقصى” حتى انقلب موقف الرئيس الأمريكي من حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب رأسا على عقب، حيث أجرى أول اتصال مع نتنياهو بعد ترؤسه للحكومة الحالية، أعقبته أربعة اتصالات لاحقة في ظرف أسبوع واحد، كما سارع إلى تلبية طلب رئيس الحكومة الاسرائيلية بزيارة تل أبيب، ليبدو في أول تصريح له بعد وصوله وكأنه الناطق باسم نتنياهو، بعد أن عمد إلى تسويق الرواية الإسرائيلية حول مسؤولية حركة الجهاد الإسلامي عن قصف مستشفى الأهلي المعمداني بغزة، والذي خلف أكثر من 500 شهيدا.

لقد عبر الرئيس بايدن، وبكل وضوح عن دعمه الكامل والمطلق لحكومة نتنياهو، وأوفد وزيري خارجيته ودفاعه إلى تل أبيب، وشحن الأسلحة والمعدات العسكرية المتطورة للجيش الاسرائيلي عبر جسر جوي، وتعهد البنتاغون بإرسال 2000 جندي أمريكي للدعم والإسناد في المعركة البرية المنتظرة ضد قطاع غزة، وقبل ذلك أرسل حاملة الطائرات (يو إس إس غيرالد آر فورد) لترابط قبالة السواحل الإسرائيلية، وأمر بتعزيزها بالمجموعة الهجومية (يو إس إس دوايت دي أيزنهاور).

وفي مجال الدعم الدبلوماسي أعفى بايدن وزير خارجيته من متابعة كل الملفات الساخنة عبر العالم، بما فيها الملف الأوكراني، ليتفرغ لرحلات مكوكية في دول الشرق الأوسط لحشد الدعم لإسرائيل وإدانة عملية حماس العسكرية في غلاف غزة، وتسويق مخطط تهجير ساكنة القطاع نحو سيناء المصرية.

لقد بات الرئيس بايدن دمية بيد نتنياهو يلعب بها، متى شاء وكيفما شاء، على رقعة الحرب التي أعلنها ضد حماس وفصائل المقاومة، وأصبح مشرِّعا لمخططات الإبادة الجماعية والحصار والتجويع الممارسة بحق الأبرياء في قطاع غزة، حتى أن الأمر وصل به إلى تشجيع حكومة إسرائيل على خوض هجوم بري في القطاع، والتأكيد على أنه بات ضرورة لا مناص منها رغم تردد جيش الاحتلال الذي يعرف أكثر من غيره ما ينتظره من جحيم يمتلك قرار دخوله، لكنه لا يمتلك قرار الخروج ولا حجم فاتورة الكلفة من قتلى أفراده وخسائر عتاده.

يرى العديد من المراقبين أن الهستيريا التي أصابت الرئيس بايدن بعد عملية “طوفان الأقصى”، تعود لأسباب، منها ما أوقعه تهاوي نمر الورق الذي بناه الغرب على مدى سبعة عقود ونصف العقد من الزمن على أيدي أفراد، مجرد أفراد، محاصرين منذ 18 عاما. ومنها ما أملاه استغلال الظرف لتحقيق مكاسب داخلية في ظل تهافت الخطط الاقتصادية وقرب الانتخابات الرئاسية.

شبح ترامب

يسعى الرئيس بايدن لاقتناص لحظة انهيار الجيش الاسرائيلي في القطاع الجنوبي أمام ضربات المقاومة الفلسطينية المفاجئة والمؤلمة، فجر الـ07 أكتوبر الجاري، لإقناع الأمريكيين الداعمين لإسرائيل بأنه الحامي الفعلي للدولة العبرية، معتقدا أن أي التزام بالعقلانية وبمصالح الولايات المتحدة المرتبطة بحلفائها العرب وباحترام مبادئ حقوق الإنسان وبالتزام موقف واشنطن كوسيط للدفع بعملية السلام، سيصب في مصلحة غريمه الرئيس السابق دونالد ترامب، باعتبار الأخير حليفا موثوقا لإسرائيل قدم لها الكثير والكثير في فترات الهدوء، فكيف كان سيكون دعمه لتل أبيب ودفاعه المستميت عنها لو كان رئيسا لحظة الانكسار أمام ضربات المقاومة الفلسطينية؟.

لأجل ذلك، ظهر الرئيس بايدن ملكيا أكثر من الملك، وهو يحث الجيش الاسرائيلي على شن هجوم بري ضد غزة بعدما أمدها بالسلاح ووعدها بالرجال.

إن تشجيع حكومة الحرب، المشكلة من المتطرفين وزعيم المعارضة وقادة الجيش، على المضي قدما في الحرب الجوية المدمرة للقطاع، والاستمرار في فرض الحصار المطبق على ساكنته، والاستعداد للحرب البرية.. من شأنه أن يدنس صورة الولايات المتحدة، وأن يحدث تصدعات يصعب ترميها في جدار تحالفاتها في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بإحراج الأنظمة التي طبعت مع إسرائيل وتراجع تلك التي قطعت أشواطا على طريق التطبيع.

كما أن تمادي الرئيس بايدن في منح إسرائيل الضوء الأخضر في قتل المدنيين في غزة وتدمير بناهم التحتية ومحاولات تهجيرهم، سيشكل دافعا قويا لخلق تنظيمات تعتمد العنف أسلوبا لضرب المصالح الأمريكية عبر العالم، في ظرف زمني تميز بهروب القوات الأمريكية من أفغانستان.

ومهما يكن من وحشية جيش الاحتلال، ومن دعم البيت الأبيض وبقية الأنظمة الغربية له، ومن محاولات التغطية على جرائمه ضد الشعب الفلسطيني في غزة، فسينجلي غبار معركة “طوفان الأقصى” عن مشهدين لا ثالث لهما:

– المشهد الأول: دمار كبير وآلاف الشهداء والجرحى ومعاناة وآلام وروح معنوية عالية.. ونصر مؤزر للمقاومة الفلسطينية.

– المشهد الثاني: دمار وذعر وقتلى وجرحى وكساد اقتصادي وانهيار للقطاع السياحي وتلاوم واحتجاجات وروح معنوية في أخفض مستوياتها.. وهزيمة نكراء للجانب الإسرائيلي.

سيدي محمد يونس – كاتب صحفي