اتحاد قوى التقدم: الإخفاق في فهم الإخفاق

بعد انتخابات 2019 الرئاسية والنتيجة الهزيلة التي حصل عليها مرشح الحزب ورئيسه السيد محمد ولد مولود (2.6 %) مدعوما من حزب تكتل القِوى الديمقراطية، تحدث المرحوم القيادي في حزب اتحاد قوى التقدم محمد المصطفى ولد بدر الدين في مقابلة مع “صحراء Plus” عن أفُول الحزب، وعن أخطاء قيادته الإدارية والسياسية.

وبالرغم من أن تقييم واقع الحزب جاء من شخص يعرف الحزب كما يعرف أبناءه، إلا أن الحزب شكّك وقتها في دوافع ” تقييم ” بدر الدين، بل ذهب أبعد من ذلك ، إلى اتهامه بتهمة التطبيل للنظام! (تهمة من لا تهمة له).

لم يشفع للعميد بدر الدين تاريخه ونضاله، وتم التعامل مع تقييمه – الذي أثبتت الأيام والليالي صدقه – وكأنه نقد ءاتٍ من خصوم الحزب في السلطة، أو من خصوم الحزب في الفكرة.

وتلك سمة من سمات معارضتنا التقليدية، فهي – معاذ الله – لا تخطئ، والذي يقول إنها أخطأت هو الخاطئ والمخطئ والخطيئة.

تتجاهل المعارضة دوما نصائح المشفقين، وتشهر سيوفها – غير الهندية طبعا – في وجه كل من يرفع صوته ناقدا أو ناصحا أو مشفقا، فالأزمات الداخلية، وأخطاء الذات، والتقصير والقصور في التعاطي مع الوقائع ، تُعلّق كلها على مشاجب “الآخرين” ، ذلك أقلّ كلفة، وأكثر راحة، من الاشتباك المُحرج مع مبدأ: ” قُل هو من عند أنفُسكم “.

نعم، اتّهم الحزب حينها العميد بدر الدين – رحمه الله- بالتطبيل للنظام، وهو الذي غادر دنيا الناس هذه عاضّا بالنواجذ على معارضته، تاركا وراءه رفيقه ولد مولود في ظرف نفسي وسياسي غير مريحين. (لا أريد هنا أن أتحدث عن مظاهرات حزب اتحاد قوى التقدم، ومسيراته الحاشدة، ونضاله ضد النظام الحالي الذي اتهم رفيقه بالتطبيل له ! )

جاءت الانتخابات البلدية والتشريعية الأخيرة وأكدت المؤكّد: لقد انتهى زمنكم السياسي أيها الطّيبون، وعليكم الرّحيل، أو البقاء – إن شئتم – معزّزين مكرّمين، حيث أنزلتكم صناديق الاقتراع، وقد أنزلكم الشعبُ الموريتاني منازلكم عشية الثالث عشر من مايو، (وقل ربّ أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين).

ما المشكلة إذا أعطت صناديق الاقتراع لكاديتا مالك جللو (المنشقة عن الحزب) وتحالفها المعارض الوليد ما لم تعطه للزعيمين التاريخيين والقائدين السياسيين الرّمزين: محمد ولد مولود وأحمد ولد دادّاه؟

بمنطق السياسة لا مشكل، لكن بمنطق ” الزعماء التاريخيين ” توجد مشكلة وأزمة، أزمة يجب أن يجلس لها مجلس الأمن، والرباعية الدولية، ومجموعة 5 + 1 ومجاميع الاتحاد الإفريقي.

بمنطق الأشياء ليس هناك ما يستدعي كل هذا التشنّج، لكن بمنطق ” الزعماء التاريخيين ” هناك أزمةٌ يجب أن نتوقف عن التنفّس حتى تزول.

إذن؛ فلتتوقّف الإدارة والوزارة والسفارة حتى تخرج البلاد من هذه الأزمة التي لا توجد إلا في أرقام صغيرة جدا لا تناسبنا “نحن الكبار”!

لنصدّق – تأدبا مع زعمائنا التاريخيين – دعاية “التزوير الفاضح”، فلما ذا أمطرت ” سحاب التزوير ” هذه نوابا وعُمدا ومستشارين بلديّين على أحزاب ومرشحين حديثي الولادة، ولم تمطر ولا نائبا واحدا أو عمدة على حزبيْ تكتل القوى الديمقراطية واتحاد قوى التقدم؟ هل المشكلة في الماء أم في التُّربة؟! سؤال في الزراعة.

شماعة التزوير لمن يريد أن يبحث في الأسباب ومسبباتها ليست مقنعة. التزوير – كما تقولون – استفاد منه و معه الجميع إلا أنتم، فلما ذا ؟ (هذا السؤال طرحه المرحوم بدر الدين بعد انتخابات 2019 في مقابلته الآنفة الذّكر، وهو يطرح نفسه الآن.)

إن الواجب الأخلاقي يدعو إلى احترام مكانة ” زعمائنا التاريخيين” التي اكتسبوها بنضالهم ومقارعتهم للأنظمة، وإن من الواجب الأخلاقي أيضا أن يبحث ” زعماؤنا التاريخيون” عن مخرج مشرّف يليق بهم وب” تاريخهم” ، فقد يليق بمراهقي السياسة الذين يتظاهرون أمام السفارات الأجنبية ما لا يليق بمن هو في سن الزعماء التاريخيين.

مشكلة الأحزاب المعارِضة التقليدية أنها مستعدة لكل شيء، إلاشيئا واحدا، وهو أن تصارح نفسها بأنها أحزاب تعيش خارج زمنها السياسي. وهذه – ورب السّماء والأرض – أزمة الأزمات.

بقلم /محمد ولد الشيخ عبدي