موريتانيا والولايات المتحدة.. دلائل التقارب ومؤشرات الإقبال الأمريكي/عنفار سيدي الجاش

يتوقف كثيرون عند استمرار استبعاد الإدارة الأمريكية لموريتانيا من اتفاق “أغوا”، لكن إلى جانب هذه الحقيقة السلبية في العلاقة بين موريتانيا والولايات المتحدة، فإن هناك حقائق إيجابية مهمة للغاية في العلاقات الثنائية بين البلدين.

تبدو الولايات المتحدة مهتمة كثيرا بتطوير علاقاتها مع موريتانيا وتعزيز حضورها في البلاد، خاصة في الجانب المتعلق بالاستثمار في مجال الطاقة. وإلى جانب هذا الجانب الاقتصادي، هناك إشادات رسمية متكررة من واشنطن بالدور الموريتاني في ملف الأمن بمنطقة الساحل، ولا يخفي المسؤولون الأمريكيون إعجابهم بما حققته وتحققه موريتانيا في هذا المجال، الذي يعتبر أحد أكثر الملفات تعقيدا في منطقة تتغول فيها الهشاشة الأمنية، وتكاد بعض البلدان تفقد قدراتها الأمنية على احتواء الوضع، إن لم يكن بعضها قد فقد تلك القدرات في حالات مختلفة.

إذا تحدثنا أولا عن الاهتمام الأمريكي المتزايد بتعزيز حضور واشنطن في موريتانيا في مجال الاستثمار الطاقي، فإن بإمكاننا أن نتوقف عند عدة مواقف أمريكية رسمية وغير رسمية تظهر أن الولايات المتحدة مصرة على أن تضمن مكانة اقتصادية في موريتانيا.

الموقف الأول: أعلنت شركة كوسموس الأمريكية العاملة في مجال الطاقة سنة 2015 استثمار 700 مليون دولار في مجال الغاز الموريتاني السنغالي.

الموقف الثاني: خلال تنصيب الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني سنة 2019 أعلن الرئيس الأمريكي حينها دونالد ترامب إرسال وفد لحضور حفل التنصيب يترأسه المستشار الرئاسي السامي لشؤون الطاقة جون ألكسندر الثالث.

الموقف الثالث: عقدت الحكومتان الموريتانية والأمريكية في الخامس من الشهر الجاري حوارا حول الطاقة ترأسته عن الجانب الأمريكي كبيرة المسؤولين في مكتب الولايات المتحدة لموارد الطاقة لورا لوخمان.

بهذه المناسبة، أعلن البلدان عن تعاون جديد في مجال الطاقة بينهما عبر برنامج قطاع الطاقة التابع لمكتب موارد الطاقة الأمريكي للدفع بتنمية الطاقة المتجددة في موريتانيا.

الموقف الرابع: أعلن نائب رئيس شركة كوسموس الأمريكية جيفري كريلا في الـ 16 من الشهر الجاري أن الشركة لديها المزيد من المشاريع المستقبلية في موريتانيا.

وصف المسؤول في كوسموس خلال لقاء نظمته وكالة ترقية الاستثمارات الموريتانية في واشنطن للتعريف بفرص الاستثمار في البلاد مناخ الاستثمار في موريتانيا بأنه يتحسن بشكل أفضل فأفضل، وحث الشركات الأمريكية على الاستثمار في موريتانيا.

الموقف الخامس: الأسبوع الماضي أعلنت مؤسسة تحدي الألفية التابعة للحكومة الأمريكية اختيار موريتانيا ضمن أربع دول أفريقية لتطوير برامج منح جديدة للمأسسة، موضحة أن اختيار هذه البلدان “يؤكد تطلعات كل دولة والتزامها بالمبادئ الديمقراطية بالإضافة إلى نواياها لإجراء الاستثمارات والتغييرات المؤسسية اللازمة لبناء مستقبل أكثر ازدهارا لمجتمعاتها”.

إلى جانب هذا البعد الاقتصادي، فإن البعد الأمني يبدو مهما جدا لواشنطن، وتبدو مرتاحة للوضع الذي تتمتع به موريتانيا في منطقة الساحل. ويمكن الوقوف عند عدة تصريحات لمسؤولين أمريكيين في هذا السياق.

وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أكد بمناسبة عيد الاستقلال الوطني لموريتانيا أن بلاده تقدر “شراكتنا المتينة” في المعركة ضد الإرهاب الإقليمي، كما أكد أنها تقدر علاقاتنا الثنائية “إلى أبعد الحدود وتتطلع إلى شراكتنا في الأعوام القادمة”.

خلال حضوري لحفل الاستقلال الأخير الذي أقامته السفارة الموريتانية في واشنطن، تحدث نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون غرب إفريقيا مايكل ويث حيث أشاد بالدور الذي تلعبه موريتانيا في الأمن الإقليمي، واصفا البلاد بأنها “واحة للاستقرار في منطقة الساحل منذ ما يزيد على عشر سنوات”.

في الـ17 نوفمبر الماضي، قالت السفيرة الأمريكية في نواكشوط سينثيا كيرشت خلال كلمة في حفل اختتام تدريب عسكري للقوات الخاصة في مدينة أطار “إننا ندرك الدور المهم الذي تلعبه موريتانيا وسنواصل الوقوف إلى جانبها وسنشجعها على أن تصبح رائدة في مجال الاستقرار والأمن الإقليميين”.

اعتبرت السفيرة الأمريكية كيرشت أن هذا التدريب “يشكل تقدما آخر في العلاقة الأمنية القوية” بين البلدين.

ليست هذه الإشادات بالدور الأمني الموريتاني في المنطقة جديدة على المسؤولين الأمريكيين، فقد تكررت خلال السنوات الماضية، حتى باتت ديدنا في مختلف البيانات والتصريحات الصادرة عن الإدارة الأمريكية.

وإذا نظرنا إلى حجم الارتياح الأمريكي للدور الموريتاني في الأمن والاستقرار الإقليميين، وإلى الوضع الأمني الموريتاني الذي يشكل استثناء في منطقة الساحل، ومن جهة أخرى إلى الرغبة الأمريكية في الاستثمار في موريتانيا وإظهارها مؤشرات جلية على جديتها في هذا المجال، فإننا لا نجانب الصواب إذا قلنا إن هناك شيء جيد حول موريتانيا يطبخ على نار هادئة في دواليب الحكم الأمريكي.

وإذا ألقينا نظرة أشمل على هذا الوضع الجيد بالنسبة لموريتانيا، فإننا سنجد أن هناك مؤشران؛ أحدهما أمني، والآخر يتعلق بالطاقة، يصبان في صالح الجانب الموريتاني، ومن شأنهما أن يجعلا واشنطن تظهر مزيدا من الاهتمام بموريتانيا.

يتعلق الجانب الخاص بالطاقة بأزمة الطاقة العالمية التي زادت الحرب الروسية ضد أوكرانيا حدتها، ففي ظل بحث واشنطن عن مصادر طاقة بديلة للطاقة الروسية التي تشتد إليها الحاجة، خاصة في أوروبا، فإن الغاز الموريتاني الذي تتوقع كوسموس أن يبدأ إنتاجه في الربع الأخير من العام المقبل، سينظر إليه في واشنطن على أنه سيكون مساعدا للمساهمة في حل أزمة الطاقة العالمية، حتى لو لم يكن ذلك بالقدر الذي تدعو إليه الحاجة وتسعى إليه واشنطن.

أما الجانب المتعلق بالأمن، فتمثله الاضطرابات الأمنية والهشاشة المؤسساتية في منطقة الساحل. وفي ظل تصدر موريتانيا للمشهد باعتبارها نموذجا في الاستقرار الإقليمي، سواء على مستوى ترتيب البيت الداخلي أو مساعدة دول المنطقة في التغلب على التحديات الأمنية، فإن موريتانيا ستكون في موقف مريح يجعل الإدارة الأمريكية تعمق وتزيد حجم التعاون في هذا المجال، خاصة أن مجموعة “فاغنر” الروسية توجد في دولة مالي المجاورة لموريتانيا.

عنفار ولد سيدي الجاش -إعلامي موريتاني أمريكي معتمد في واشنطن